هل تشيع محيي الدين بن عربي في أواخر حياته؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp


ياعلي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا العزيز
قال لي احد المشايخ من اتباع علماء العرفان الباطل الذي وصفو من محي الدين ابن عربي بـ ( الشيخ الاعظم ) وجعلو منه قديساً
مظمون كلامه زعم
( ان محي الدين ابن عربي قد استشيع قبل وفاته بفتره واصبح اثنى عشرياً لكن الفرقه الوهابيه كتمو على ذلك الخبر و غيرو في مؤلفاته وذلك الان اكثر المذهب البكري كانو يجلونه ويقدسونه فغيرو في مؤلفاته وجعلو فيها طعن في الشيعه كوصفه للشيعه خنازير اجلكم الله وقوله عندما رئى الله والرسول وابو بكر وعمر في منامه )

انا عن نفسي لم اسمع بهذا الكلام ولا اعلم ان كان صحيحاً او لا
فقلت اسأل سماحتكم هل فعلاً يوجده مثل هذا الكلام نرجو من سماحتكم وتبيانه لنا
هذا واسأل الله ان يوفقنا ويوفقكم لنصر محمد واله الاطهار


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين


جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا ينقضي العجب من هؤلاء العرفاء المتلبسين بلباس التشيع، ومن أساليبهم التمويهية السخيفة ومحاولاتهم البائسة لتبرير اعتناقهم دين ابن عربي الزنديق! فتصريحات ابن عربي واضحة في اتباعه للديانة البكرية بل إلى نصبه! فقد صرّح في كتابه فصوص الحكم بأن أبا طالب عليه السلام مات كافراً والعياذ بالله (فصوص الحكم، ابن عربي، ص130) وقال بأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينص على الخلافة من بعده! (فصوص الحكم، ابن عربي، ص163). ومع ذلك اعترف كبير العرفاء في هذا العصر أو أنطقه الله من غير أن يشعر فصرّح بأنّ ابن عربي بكري وليس من الشيعة الموالين! فقد ذكر غلام علي رجائي عن الشيخ المحمدي الجيلاني أنه قال: (سمعت من الإمام –الخميني- يوماً قوله إن المرحوم القاضي سعيد القمي هو في الشيعة نظير محيي الدين بن عربي عند أهل السنة)! (قبسات من سيرة الإمام الخميني - في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية- ص105.)

وينقل محقق كتاب التعليقة على الفوائد الرضوية قول أحد تلامذة الخميني: (إنه -أي الخميني- كان يعبّر عن احترام خاص لمحيي الدين -ابن عربي- في المدرسة السنية، ولصدر المتألهين والقاضي سعيد القمي في مدرسة أهل البيت)! (التعليقة على الفوائد الرضوية , الخميني, ص12)

فتأمل أخي الكريم في اعتراف الخميني الذي يكشف لك أن ابن عربي من أهل السنة البكرية وليس من الشيعة الموالين!

أما قوله: (أن الفرقة الوهابية كتموا خبر تشيعه وغيروا مؤلفاته)! فهذا الادعاء أسخف من الأول لأن ابن عربي لعنه الله هلك في سنة 638 هـ في الشام بينما ولد مؤسس الفرقة الوهابية محمد عبد الوهاب لعنه الله سنة 1115 هـ في نجد فكيف كتم الوهابيون خبر تشيع ابن عربي وقد جاؤوا بعده بقرون؟!

أما عن كتبه فقد استنسخها وجمعها وشرحها تلامذته ومريدوه ولم يقولوا بأن فيها مدسوسات، أما الذين ادعوا فيما بعد بأنه قد دس في كتبه قالوا: (أن النسخ التي في مصر الآن كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ-ابن عربي- فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة) (كشف الظنون، حاجي خليفة، ج2 ص1239 نقلاً عن الشعراني في مختصر الفتوحات).
فالتحريف-على فرض وقوعه- وقع في النسخة المصرية فقط- من الفتوحات المكية- وليس كل النسخ، والمدسوس شيء يخالف عقائد أهل الخلاف وليس الشيعة، ونحن نجد اليوم أن كل النسخ من الفتوحات المكية سواءً المصرية وغيرها كلها تذكر مكاشفة العارف الرجبي وهي بطبيعة الحال لا تخالف عقائد أهل السنة والجماعة على حد تعبيرهم؛

ثم إن ابن عربي ذكر هذه المكاشفة في كتاب آخر من كتبه غير أنه أبدل فيها الخنازير بالكلاب! ولم يقل أحد بأن كتابه الثاني دس فيه.

قال في كتابه محاضرة الأبرار: (وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب، وهو محبوس في بيته، قد حبسته هذه الحالة، وهو بائع للجزر والخضر العامة، غير أني سألته عن حالته، فأخبرني بكيفيتها على ما كان علمي منها، وكان يخبر بعجائب... فسألته: هل يبقى لك علاقة في شيء؟ قال: نعم، لي علامة من الله في الرافضة خاصة، أراهم في صورة الكلاب، لا يستترون عني أبداً. وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون، لا يعرفهم أهل السنة، إلا أنهم منهم عدول. فدخلوا عليه، فأعرض عنهم، وأخبرهم بأمرهم، فرجعوا وتابوا، وشهدوا على أنفسهم بما أخبر عنهم، مما ليس عند أحد من غيرهم خبره). (محاضرة الأبرار، ومسامرة الأخيار، ج1 ص296، 295)

ولو راجعت شروح العرفاء على كتب ابن عربي لن تجد أحداً منهم ينكر مكاشفة العارف الرجبي ورؤيته للرافضة على هيئة الخنازير أو الكلاب بل أقرّوا بها حتى أن بعض المنتسبين للتشيّع لم ينكروها بل حاولوا ترقيع الموضوع بأعذار سخيفة واهية كالخميني مثلاً حيث حاول ترقيع القضية بقوله أن الرافضي كالمرآة العاكسة، فحينما شاهد العارف الرجبي صورة الخنزير ظن أنه شاهد حقيقة الرافضي ولكنه في الحقيقة رأى نفسه في مرآة الرافضي!

قال في تعليقته على شرح فصوص الحكم: (قد يشاهد السالك المرتاض نفسه وعينه الثابتة في مرآة المشاهد لصفاء عين المشاهد كرؤية بعض المرتاضين -العارف الرجبي- من العامّة الرّفضة بصورة الخنزير بخياله وهذا ليس مشاهدة الرّفضة كذا بل لصفاء مرآة الرّافضي رأى المرتاض نفسه التي هي على صورة الخنزير فيها فتوهم أنّه رأى الرّافضي وما رأى إلاّ نفسه)! (تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس، ص221)

فتلاحظ أخي الكريم أن الخميني لم ينكر أصل المكاشفة إنما قال بأن كشف الرجبي جاء معكوساً! فأراد بهذا أن يكحلها فذهب بنور بصرها!

فإذا كان الكشف الذي هو عماد مذهب العرفاء وأداتهم الأصلية يأتي بأمور معكوسة، فما قيمته إذن؟!
ولأن قول الخميني هذا يهدم مدرسة العرفان من الأساس -لأن الكشف هو عماد مذهبهم- لذلك قال العارف محمد حسين الحسيني الطهراني بأنّ المكاشفة صحيحة ولكنه لجأ إلى التأويل فقال بأنّ معنى الروافض هو الخوارج!

قال في كتابه الروح المجرّد: (قد حانت النوبة لأصل مكاشفة ذلك الرجل الرجبي الذي رأى الرافضة مرّة واحدة في صورة الكلاب، فتلك المكاشفة صحيحة وليست مخطئة، بَيدَ أنّ المراد من الروافض كان الخوارج لا طائفة الإماميّة ومن المعلوم أنّ الخوارج يمتلكون ـ كالكلب صفة السبُعيّة والوحشيّة فظهروا لذلك الرجل في المكاشفة المعنويّة على هيئتهم الحقيقيّة). (الروح المجرّد، الطهراني، ص434)

فتلاحظ أن الطهراني أيضاً لم ينكر أصل المكاشفة بل اعتبرها صحيحة ولكنه حاول الترقيع بطريقة أخرى مضحكة فقال أن الروافض هم الخوارج وليس الشيعة الإمامية! بينما بيّن ابن عربي معنى الرافضة في سياق كلامه حيث قال: (رأيته -أي العارف الرجبي- قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة فكان يراهم خنازير) وقال أيضاً: (فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر ويتغالون في علي) (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج2 ص8)

وقال في ديوانه: (ولا تكونوا كالذي غلا لجهلٍ فامتَحن *غُلوّ أهل الرفض في أمرِ الحسين والحسن). (ديوان ابن عربي، ص428، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت سنة 1416هـ)

فقد بيّن ابن عربي أنه يقصد الشيعة وليس الخوارج، ومن المعلوم أنّ الخوارج لا يعتقدون السوء في أبي بكر وعمر ولا يغالون -على حد تعبيره- في الإمام علي عليه السلام بل يتبرؤون منه والعياذ بالله!

والخلاصة أن تصريح ابن عربي في كتبه بأن الشيعة خنازير أو كلاب ثابت وصحيح وليس بمدسوس، وهذا التصريح يكذّب قول المدعي بأنه شيعي، إذ لو كان شيعياً لما وجدناه ظاهر التأييد لكلام العارف الرجبي.
أما القول بأنه تشيّع في آخر حياته والوهابيون كتموا خبر تشيعه فهو قول أكثر سخفاً من الأول وقد أبطلناه بأن الوهابيين لم يعاصروا ابن عربي بل جاؤوا بعده بقرون.

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

28 جمادى الأولى 1438 هجرية


ملاحظة: الإجابات صادرة عن المكتب لا عن الشيخ مباشرة إلا أن يتم ذكر ذلك. المكتب يبذل وسعه في تتبع آراء الشيخ ومراجعته قدر الإمكان.
شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp