"التشيع اللندني" بمنظور الفكر السياسي الإقصائي ومواجهة الخطوة الواحدة!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

25 ربيع الآخر 1438

صياغة جديدة لعبارات قديمة

يبدو أن مصطلح "التشيع اللندني" هو صياغة جديدة لتُهَمٍ وفرى لطالما أُلصِقت بالعلماء والمفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي إذ كان يكفي سابقا وصف كل من يخالف بالرؤى أو الطرح بعبارات تقليدية "كالمنافق" و"المُخَرِب" وغيرها، كي يكون مسوغا بل حكما عليه إما بالسجن أو النفي أو التضييق وربما يقتل قبل ذلك على يد مجهول أو متدين يدافع عن الإسلام!

لكن بعد أن استُهلكت تلك العبارات و تلاشى مفعولها وأثرها بات من الضروري أن تتبدل تلك العبارات ويعاد طرح تلك التهم والفرى بصياغة جديدة مجازية تثير العاطفة وتؤجج الحس وتشعل الحماس والغيرة على الدين. ثم يتحول المجاز تدريجيا بعد كثرة الاستعمال والترويج إلى حقيقة متبادرة إلى الذهن.
ومن الواضح أن هذا المصطلح "التشيع اللندني" قد صيغ بدهاء ودقة حتى يكون شاملا واسعا يستهدف على وجه الخصوص مراجع دين وعلماء بما لهم من امتداد داخلي وخارجي في شتى أنحاء المعمورة.

فوصمة "اللندني" تضمن إسقاط أي فكرة و نظرية ورأي لأنها تتضمن الكفر والنفاق والحرب على الإسلام. فلندن حسب مقاييسهم التي "لاتستثني إلا أتباعهم وحلفائهم" هي عاصمة الاستعمار البريطاني الذي يسعى لضرب وتدمير الإسلام فيجند العملاء والجواسيس بلباس التشيع كي يُقْحَمَ في التشيع ما ليس منه ويُنْزَعَ منه ما هو منه.
وكون هذا المصطلح "التشيع اللندني" قد طُرِحَ من قبل أعلى هرم فإنه يدل على السياسة الإقصائية الفعلية التي ينتهجها النظام في ايران تجاه مراجع الدين منذ التأسيس إلى هذه اللحظة.

فمن غير المعقول قبول أن حاكما أو رئيسا يتهم فئة من شعبه و شريحة مهمة منها سيما إن كانت "مرجعية دينية" بالعمالة والتبعية الخارجية فضلا عن أن يكون ذلك الحاكم يتقدم ويخطو بصفة القائد الإسلامي والمرجع.
لأن ذلك من شأنه أن يكون مبررا ومسببا وموجبا بل هو مقدمة للنيل من تلك الفئة واضطهادها وقمعها بل واغتيالها من قبل أتباع الدولة أو ممثليها كأذرع الدولة الأمنية أو الإعلامية أو الثقافية أو حتى الدينية.
وهذا بالفعل ماحصل و قد يحصل ضد مراجع الدين ممن لهم الفضل الكبير والشأن العظيم بالدفاع عن الإسلام والشعوب في مواجهة الاضطهاد والظلم والفقر والجهل والتخلف.
إلى درجة أن صور أحدهم تُنشر وتُعلق في الطرقات العامة بعمامة ملونة بالعلم الانجليزي !
كما عُرضت ولا تزال برامج تلفزيونية لتسقيطهم ورميهم بالعمالة ناهيك عن دور الأمن الذي اعتقل وسجن الكثير من الأتباع، كما أغلقت مراكز ومقرات ثقافية وإعلامية بحجج ومبررات واهية.

خطورة هذه السياسة الإقصائية لاتقتصر فقط على الشعب بما له من تعددية دينية ومذهبية وقومية تتضمن ثقافات وقناعات وأفكار متنوعة ومختلفة بل متضادة أحيانا، وإنما لهذه الإقصائية تتابع وانعكاس في الخارج نظرا لوجود أتباع وحاشية يستفيدون من تلك السياسة بغية الوصول لغايات وأهداف معينة، ولايحتاج المقام للتفصيل حيث أن المجتمعات الإسلامية وبالتحديد الشيعية تشهد الكثير من تلك النزاعات والشقاقات والخصومة.
وتزداد خطورة هذا الفكر الإقصائي كونه ذا سياسة ممنهجة تقوم على أساس شعاره "الموت لمن لايخضع" إذ يُعتبر الحاكم هو "المُلهم الإلهي" الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وهذا مايدعم ويعزز تلك السياسة وذلك الإقصاء عند البعض كونها تقوم وتنهض من منطلق ديني قطعي بقول وفعل وتقرير "الحاكم المُلهم".
لا أريد الخوض في نظرية "الحاكم الإلهي المُلهم" كونها مسألة تبحث وتناقش درجاتها ومراتبها وحدودها فالمقام لايسع لذلك، لكن مايهمني هنا الإشارة لحصيلة تلك النظرية من تخلف وقمع ورجعية سواء بلحاظ النظرية أو الممارسة.

"التشيع اللندني" والفكر الإقصائي

ينطلق الفكر الإقصائي وأتباعه من ثلاث دعاوى ارتكازية تشكل مثلث انشاء مصطلح "التشيع اللندني"
الأولى: طقسنة التشيع بممارسات خرافية لأحياء عاشوراء.
الثانية: الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة.
الثالثة: توهين رموز الوعي والعقلانية في الداخل الشيعي.

وبنظرة سريعة لتلك الدعاوى ومستنداتها، نجد أن الدعوى الأولى تستند إلى القول:
"أنها تقوم على سطحية التفكير الديني، وأن طقسنة التشيع تعني تفريغه من مضمونه الحضاري العقلاني القادرة على التواصل والعبور إلى الفكر الآخر وإمكانيّة التوصّل من خلال ذلك إلى صوغ أرض مشتركة، أو لأيّ بدعةٍ طقوسيّة يمكن أن تقوم بها أي ذهنيّة مهما كانت ساذجة أو مسيئة".
أقول: إن كان هذا المستند بمجمله مما يصح الاحتجاج به لبطلان شعيرة أو ممارسة أو فعل، فإنه يلزم اعتباره الملاك في مباديء الحكم الشرعي في مرحلة الثبوت،
فإن اعتبرناه، فإنه سوف يشمل عبادات أخرى كالصلاة والحج وغيرها.
وبيان ذلك: أن أحكام الدين من عبادات سواء كانت واجبة أو مندوبة هي مجموعة من مظاهر وأفعال تشكل عنوان الشعائر الدينية التي أمرنا الله جل وعلا بتعظيمها وأن ظاهر هذه الأفعال لايدل بالضرورة بما هي أفعال على عمق فكري أو معنوي، فإن جاز وصح نقض الشعائر بما ذكر في مستند الدعوى؛ فإن النقض سيجري على كافة الشعائر الدينية الواجب منها والمندوب ولا ينحصر بشعيرة دون الأخرى.

والمثال: إن الحج بما يتضمنه من أعمال كلبس الإحرام والطواف ورمي للجمرات والأضاحي وما شابه لاتدل بظاهرها على غاية وفكرة إنسانية يمكن ترويجها للغير بعنوان مضامين حضارية عقلانية، ولا يمكننا التوصل والعبور منها إلى الفكر الآخر وصوغ الأرض مشتركة من خلالها، بل على العكس من ذلك يُتهم المسلمون بعدم مراعاة حقوق الحيوان في الحج والإسراف والعبثية وما إلى ذلك من التهم، كما أن ظاهر الصلاة من قيام وركوع وسجود لا تدلل على فكرة أو حضارة إسلامية شاخصة. بل يحسبها من لايؤمن بها هدرا لوقت العمل والإنتاج وإن الصلة برب العالمين لاتقتصر على تلك الأفعال وبذات الأوقات وإنما تتأتى بأي عمل وفي أي وقت.
فإن قيل أن الشعائر التوقيفة لا تدخل في هذا العنوان لأنها محكومة بالنص نقول: يلزم من قولكم أن يكون للحكم الشرعي ذو الملاك الواحد في مرحلة الثبوت أكثر من إرادة واعتبار وهذا من قبيل الجمع بين المتضادين وهما الوجوب والحرمة ولايمكن الجمع بين المتضادين لأنهما أمران وجوديان، والنتيجة: لاطريق لصحة الدعوى والاستناد إلى ماذُكر في مستندها.

أضف إلى ذلك أن حاكمية النص تشمل كل المصاديق إن كان النص مفهوما أو عنوانا، وأن الاعتبارية العرفية لعمل ما بعنوان "الشعيرة" في أكثر من دولة وبممارسات جماعية كاف لإعطائها عنوان "الشعيرة " سيما إن كانت تلك الشعيرة تُصورُ مشهدا حقيقيا من مشاهد عاشوراء كخروج الدماء من الرأس وسبي النساء وضرب الأطفال وما إلى ذلك، لأنها حينئذ تكون أشبه بالتمثيل الحي لمشاهد واقعة عاشوراء الأليمة.

ثم ماهو الضابط والمعيار لهذا المستند!؟
فمن دونه قد يسري على غيره من الشعائر فتمنع زيارة وتشييد المراقد المقدسة للأئمة المعصومين عليهم السلام ويمنع إعلاء شأنها وحمايتها لمجرد أنها لا توجِد أرضا مشتركة مع الغير ولا يمكن من خلالها العبور للفكر الآخر لأنه لايفهمها بالشكل الصحيح بل يحسبها أماكن شركية!
ثم لو كان يريد البعض العبور والتوصل للفكر الآخر وعرض مضمون التشيع الحضاري العقلاني القادر على التوصل بصوغ أرض مشتركة؛ فلِمَ لا ينشغل كل واحد منهم على إظهار التشيع بالحضارة التي قد فُرِّغَت بطقوس عاشوراء كما يزعم إعلامهم وكُتَّابهم ولمَ لايعمل المُنَظِّر منهم على ملئ الفراغ التي خلفته تلك الطقوس عوضا عن استفزاز الغير واستفراغ الطاقات والجهد في ملئ القلوب أحقادا وأضغانا وبغضا بضرب تلك الشعائر وإثارة الخلافات وتعزيزها.

ولم لا يحترم هؤلاء آراء الفقهاء الذين أفتوا إما باستحباب أو إباحة الشعائر!؟
أو لا أقل لمَ لا ينظرون لتلك الشعائر كنظرتهم لمسائل شرعية كثيرة يختلف فيها الفقهاء والمراجع فيرجع كل مكلَف مقلد إلى مرجعه!؟
ثم بعد كل هذا هل تستحق هذه المسألة تجنيد وتحشيد وتسخير واستخدام كل الأتباع والطاقات والإمكانات والقدرات في أيام حزن عاشوراء ومصاب الإمام الحسين عليه السلام فقط لضرب ومحاربة شعيرة يراها من يعظمها ويمارسها "وهم كثر وفي شتى البلاد" يراها مواساة للإمام الحسين عليه السلام وقربة إلى الله تعالى!
فيُصرف الناس عن حالة الحزن والأسى إلى حالة العناد والتحدي وينسى ذكر الحسين ومصائبة وثورته وقيمه بالانشغال بتوهين وتسقيط ومحاربة الشعيرة ومن يحييها!؟
ناهيك عن استخدام القوة المفرطة والسجن أحيانا.
فإن كان البعض قد فقد التواصل الحضاري العقلاني مع أبناء جلدته في المذهب أو البلد الواحد وعجز عن الوصول لفكرهم ولم يقدر على إيجاد الأرض المشتركة معهم فهل يمكنه العبور إلى الغير!؟

أما مستند الدعوى الثانية:
"أنه يقوم على المنطق التبريري لما هو قائمٌ ويقومُ وسيقومُ لأيّ ظاهرة ينتجها التعصّب ضدّ الآخر المذهبي خصوصاً، وإلى الانتقائيّة من روايات التاريخ التي تشتمل على الغثّ والسمين، بغية تسخير ذلك لضرب العلاقات الأخويّة بين المسلمين، وتكريس آليّات الفصل عبر السبّ واللعن والقذف لكثير من رموز ذلك التاريخ وشخصيّاته. وهذا كلّه ليس عبارة عن مفردات محدودة، وإنّما عبارة عن ذهنيّة وثقافة عابرة للأجيال والمجتمعات"

أقول :إن المنطق التبريري عادة ينتهجه من يريد تبرير الجرائم والحروب والسياسات الخاطئة التي تدمر الموارد الطبيعية والبشرية وتقضي عليها وهو "المنطق التبريري" لايستند عادة إلى دليل و برهان إنما هو كلام مرسل وتحليلات واستنتاجات لا واقع خارجي وحقيقي لها.
أما قراءة التأريخ وفحصه وإبراز حادثة ما بغية الاستفادة منها سيما إن كانت مرتبطة بالعقيدة والشرع لا يمكن وصفها "بالمنطق التبريري" حتى وإن زعم البعض أنها ناتجة عن تعصب وتشدد، لأن التعصب والتشدد إنما يكون سمة المتمسك بالباطل والبدعة بينما من يتمسك بالحق وأحكامه فلا يصح اتصافه بالتعصب بل هو مصداق للمستمسك بالعروة الوثقى.

وببيان آخر موجز:
إن البحث في ملفات التأريخ ومعاينة أحداثه ووقائعه وتحديد الموقف الشرعي منها عمليا كان أو عقديا هو صلب عمل ووظيفة الفقهاء والعلماء، كما يُلزم بها العامي والمكلف أيضا، لأن التأريخ بمعناه الأعم ونعني هنا "تأريخ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام من بعده" هو مجموعة من الأحاديث والأخبار والروايات التي تشكل في مجملها مصادر مرتبطة إما بالتشريع أو بالعقيدة أو بالأخلاق والتربية وهي تُعَبِّر بنحو أو بآخر عن قول وفعل وتقرير المعصوم إن ثبت صدورها عنهم، وعليه فإن تحديد الموقف من قضية تأريخية بناء على استنتاج تأريخي متحصل عن اجتهاد وتمحيص هو حق شرعي وعرفي وإنساني قبل كل شيء.

أما القول "بالانتقائية من روايات التأريخ التي تشمل الغث والسمين"
أقول: لا شك أن الروايات التأريخية تشمل الغث والسمين وإلا لما لزم التفحص والتحقيق والاجتهاد، لكن هل من الإنصاف إنكار الحوادث المتواترة التي اتفقت الأمة على وقوعها مثل الغدير، وماجرى على فاطمة الزهراء عليها السلام، واجتماع السقيفة، وأحاديث كالثقلين، ومن كنت مولاه، والسفينة وما شابه! وهل يحق لنا وصفها "بالغث" ونكرانها وهي ثابته بالتواتر!
وقد أجمعت الأمة الشيعية على وقوعها وصحتها وحددت الموقف منها ومن أشخاصها بل حتى غير الشيعة أجمعوا على صحتها وأقروا بها وإن اختلفوا في فهمها وتشخيصها!

وأما القول "بتسخير تلك الروايات لضرب العلاقات الإخوية بين المسلمين"
أقول: هذا فهم غير صائب لطبيعة الغرض والغاية، إذ أن إبراز الحقائق التأريخية بغية الاستفادة منها وفحص تأثيراتها ومدى انعكاساتها على الواقع المعرفي ومنبعه مع إمكانية تغيُّر المؤثر فيه واحتمالية تبدل المواقف إزاء تلك الحقائق بما يخدم المعرفة والعدالة، له رجحان.
ويزداد الرجحان مع التأكيد الضروري على التعايش السلمي والأخوي بين المسلمين.

فهل يقال بعد ذلك أن الهدف هو ضرب العلاقات الأخوية!؟
ثم أن إثارة واستعراض الكثير من القضايا التأريخية وطرحها لاتخلو من معترض ومشكك ومنكر ورافض على طول الخط والأزمنة.
مثال ذلك: قضية الإمام الحسين عليه السلام وعاشوراء فإنه وكما هو معلوم في كل عام عاشورائي يخرج من لا يهوى ذكر مقتل الحسين عليه السلام ولا تعجبه أحياء الشعائر والمراسم العاشورائية "بشتى مظاهرها" بزعم أنها إشاعة للبدع والخرافات فيظهر امتعاضه وسخطه منها ويعتبرها استفزازا لمشاعره وحواسه وإثارة للفتنة!

فهل نرضى ونقبل أن تدفن هذه القضية التأريخية الدينية المهمة لأجل إرضاء المتعصبين الذين يفهمون بطريقة خاطئة أو يحللون حسب أمزجتهم فضلا عن أن نقوم نحن بإخفاء ودفن تلك القضية!
وهل يُقبل أنكار أصل القضية والواقعة إذا ما قيل أن أحداث عاشوراء فيها الغث والسمين، وهل يمكن قبول دعوى أن الشيعة يُسَخِّرون القضايا التأريخية العاشورائية لضرب العلاقات الأخوية بين المسلمين!؟

وأما قول: "تكريس آليّات الفصل عبر السبّ واللعن والقذف لكثير من رموز ذلك التاريخ وشخصيّاته"
أقول: قد تم التأكيد مرارا وتكرارا على الأخوة الإسلامية والتعايش السلمي وضرورة الاتحاد في مقابل الأخطار الخارجية المشتركة رغم طرح المواضيع الخلافية ومعالجتها العلنية، فلماذا تصرف الأنظار عن تلك الحقيقة!؟

وأما السب واللعن فهذه سنة إلهية وردت في القرآن الكريم، فقد ذُكر اللعن في القرآن عشرات المرات نذكر منها ثلاث آيات:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} - (البقرة : 159).
{أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} - (آل عمران : 87).
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} - (النساء : 93).

وأما السب فهو حق المظلوم إذا ما أراد فضح الظالم وإظهار عيوبه وصفاته الدنيئة وإسقاطه من أعين الناس كما يفعل المسلمون تجاه المجرمين من الكيان الصهيوني، وقد ثبت بالدليل جواز سب الظالمين وأهل البدع والضلال.
قال الله جل وعلا: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (النساء : 148)
وقد جاء في صحيحة داود بن سرحان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة. (الكافي 2: 375)

وبهذا يثبت أن لعن وسب مستحق اللعن والسب عمل وفق القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله.
وأما القذف فهو نهي عن رمي واتهام المؤمنين ولايشمل أهل البدع والضلالة والقتلة والمجرمين وأعداء أهل البيت عليهم السلام كذلك لايشمل الخارجات المحاربات والمبدعات المكذبات.

أما القول: وهذا كلّه ليس عبارة عن مفردات محدودة وإنما عبارة عن ذهنيّة وثقافة عابرة للأجيال والمجتمعات"
أقول: إن "اللاوعي الجمعي" كان هو المتحكم والمسير للعقلية الإسلامية بصورة عامة والشيعية بصورة خاصة حيث يوجه اعتقاداته ويقود تصرفاته وهذه "الجمعية" كانت تخضع أحيانا للحكومات والأنظمة والعلماء المرتبطين بتلك الحكومات والأنظمة كما عليه المجتمع الإسلامي بعمومه وأخرى كانت تخضع لظروف وأحوال غير آمنة أثرت على مستوى ودرجة تعبيرها عن اعتقادها وأفكارها وحددت سلوكها وجمدت شعائرها كما عليه المجتمع الشيعي ثقافيا وعقديا، وفي الحالتين نجد عنصرا مشتركا يبرز للناظر المتجرد عن التعصب والانحياز هو "إخفاء المعلومة" ونعني بالمعلومة المعنى العام لها سواء كانت تأريخية أو معاصرة أو كانت معلومة صحيحة أو غير صحيحة وسواء كان الجميع يعتقد بصحتها وحقيقتها أو البعض، و"المتحكم" هو الذي يسير ثقافة المجتمع العامة كيفا وكما بتأثيره على "اللاوعي الجمعي" حيث يعطي ويفضي من الثقافة والمعلومة بقدر مايريد وكيفما مايشاء، بحسب ماتقتضي مصلحة الدين إحيانا "التقية"، و حيثما تقتضي إرادته ومصلحته غالبا "الحاكم".

أما اليوم فإن العقل الإسلامي والشيعي بالتحديد غدا يتجه بانعطاف نحو التحرر من تلك المؤثرات وآثارها فصار يبحث عن صحة الفكرة والمعلومة التي تعرض له بغية تحصيلها واضحة من دون تغيير وتبديل وإخفاء بل بتصريح وتثبيت و إجلاء.
وأصبحت الأجيال تدرك أن إخفاء المعلومة والحيلولة دون وصولها إليها يُعَدُ جناية أخلاقية بحق الفكر الإنساني، وإنه "بحق" ليس لأحد الإذن والصلاحية بإخفاء التأريخ مهما كان، فضلا عن منع التحقيق والبحث والاستقراء أو حتى النشر والتعبير والتصريح، سيما أهل الخبرة و الاجتهاد.

وأما القول: "إن كانت الأجيال باتت بفعل الاتجاه العالمي أكثر تقبلا للاختلاف وأكثر شعورا كآليّة من آليّات العصر الضروريّة، وأكثر انفتاحاً على المنهج العلمي في مقاربة القضايا المتنوّعة، هذا المنهج الذي يمكن سحبه إلى الاختلاف الديني والمذهبي دون عناءٍ كبير قياساً بزمان المجتمعات المغلقة".

أقول: أوَليس هذا دافعا وباعثا إلى المصارحة والمكاشفة وطرح قضايا تأريخية ومناقشة وقائع وأحداث لطالما كان انعكاسها سببا لسوء الفهم والغل وتحميل التشيع مالم يُحَمَّل سواه من زور وظلم وتهم وافتراء وكذب!
أفلا ينبغي وقد أتيحت الفرص الذهنية لإيضاحها بعد أن كانت مبهمة أن تُعرض وتُشرح بالطريقة التي تتناسب والواقع بدلا من إهمالها وتركها "بدعوى وخشية أن يكون ذلك ذريعة لعودة الجيل الأول المتعصب"!؟
فتبقى إنعكاساتها السلبية جارية حتى على غير المتعصب!

ثم هل يحق لنا حرمان الأجيال من معرفة الحقائق التأريخية سيما التي شكلت العقيدة ورسمت معالم الدين الإسلامي بما هو عليه الآن بحجة وذريعة إثارة الفتنة وايجاد التعصب!
أم أن الأجيال سوف تحاسبنا على تغطية وإخفاء وتزييف التأريخ!
ثم أن عنوان "الحوار" الذي يُدعىٰ إليه مع الطرف الآخر المخالف ينبغي أن يخصص للأمور والمسائل الخلافية لا الاتفاقية!
لأن الهدف والغاية من أي حوار بين أطراف مختلفة هو إيجاد عوامل وعناصر مشتركة تكون باعثة على تكوين حالة من المقبولية والاحترام عند كل طرف تجاه الآخر وهذا لايتحقق إلا بطرح ومناقشة المواضيع والمسائل الخلافية ذات النزاع والتي تخلق التوتر وسوء الفهم، وإلا فلا معنى للحوار إن كان مخصصا للأمور والمسائل المتفق عليها فقط لأنه سيكون عبثا ولغوا لا غاية له ولاهدف لتَحَصُّل الاتفاق أصلا في ذات المسائل الاتفاقية.

فمن هذا المبدأ الحواري لا من غيره يمكننا إيجاد أرضية مشتركة للتعايش السلمي، وقبول واحترام الآخر، والتعاون وما إلى ذلك.
و كما هو ظاهر من خلال التجربة والخبرة أن إخفاء المسائل والأمور الخلافية وتركها أو تغطيتها يخلق حالة من اللاجدية وعدم الثقة بين الطرفين المتخالفين.
هذا إن كانت هناك جدوى من ذلك وفائدة أصلا لأن العالم الحالي بعصره المعلوماتي التقني الآلي يوفر للباحث المعلومة والفكرة والمعرفة بضغطة زر ومن دون عناء ومشقة ومهما حاول البعض حجبها وسترها.

وأما الحديث عن:
"الحاجة القصوى في سحب الذرائع من أجل محاولة وضع حدّ لامتداد هذا الاتجاه التكفيري في الأجيال الآتية؛ أقلّه لنُعذر أمام الله تعالى في قيامنا بكلّ ما نملك لضرب بعض أدواته التي يسوّق من خلالها للفكر التفكيري جيلًا بعد جيل"٠

أقول: إن ذرائع الاتجاه التفكيري لاتقتصر فقط على قضية واحدة تأريخية تنال من رموزه وقادته بل تجري وتنسحب الى كل مايعتقد به الشيعي ويمارسه من عبادات كزيارة المراقد المقدسة للأئمة عليهم السلام وإحياء عاشوراء وغيرها بل يراها "بباطل" أعظم شناعة وأظهر للشرك من غيرها، فهل يسعنا ترك تلك المعتقدات والتخلي عنها وعدم ممارستها وإماتتها بحجة "سحب الذرائع" كون الاتجاه التكفيري يُسَوق من خلالها لفكره! أو كونها مستهدفة بمفخخاته وعبواته الناسفة!؟
وإن كان لا بد من سحب ذرائع فلم لاتتغير مواقف وخطابات رموز السياسة الشيعية التي أججت وهيجت وجندت الكثير منهم وقدمت لهم ذرائع ومبررات الإجرام والقتل والتشريد.

فهل المواقف والخطابات السياسية ثابتة والتأريخ الديني والعقدي متغير، أم العكس!؟
ثم ماهو الدليل على أن إخفاء الحقائق التأريخية المرتبطة بالإمامة وبأرض فدك وما سبقها وتلاها من أحداث والتكتم على مواقف الأئمة عليهم السلام من تلك الأحداث وأشخاصها يحمل جانب المعذرية أمام الله جل وعلا!
وهل ضرب بعض أدوات الفكر التكفيري هو "الملاك" في تحديد الموقف الشرعي من القضايا والشخصيات التأريخية!؟
وهل يتبقى من العقيدة حتى بمقدار الصلاة على "الآل" إن جعلنا "ضرب بعض أدواته" ملاكا!؟
وهل يتأثر الاتجاه التكفيري وتتأثر أدواته بالضرب حتى نكون معذورين أمام الله عز وجل، إذ أن ما ننكره بألسنتنا مدون بأقلامنا في أمهات كتبنا وأهم مصادرنا.
أم أننا "بحق" سوف نعذر أمام الله عز وجل متى ما تمكنا من إسقاط فكره وعزله إلى أن يضمحل ويزول!؟
ولمَ لا نعمل على إيجاد وخلق الذرائع التي تسقطه وتنحيه معنويا وفكريا قبل كل شيء، فإيجاد الذرائع وتوفيرها لإسقاطه كليا أولى بل أصوب من سحب الذرائع لضربه جزئيا.
ومن ثَمَّ حينئذ يمكننا الانطلاق حضاريا كفكر متعد عابر وليس لازما ساكنا.

وأما ماجاء كعنوان دون مستند في الدعوى الثالثة: توهين رموز الوعي والعقلانية في الداخل الشيعي.

أقول: إن معايير وضوابط الوعي والعقلانية تختلف وتتغير من فكر إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى بحسب الزمان والمكان فمن يراه شخص عاقلا وواعيا قد يراه شخص آخر ظالما وطاغيا أو منحرفا ومبتدعا إن ثبت له بالدليل أو كان ذلك من الواضحات.
أضف إلى ذلك وكما هو منطوق ومفهوم الحديث آنف الذكر: "إذا رأيتم أهل الريب والبدع .." أن من عوامل تحقق الارتقاء والتقدم والازدهار في الأمة دينيا وفكريا أو مما يساهم ويساعد على ذلك هو نقد الأفكار وتنقيحها وتصحيحها وإبراز البدع والانحرافات والأخطاء وتشخيص أفرادها ومروجيها وإسقاطهم، حتى تخلق مسافة وحاجز بين الحق والباطل وبين العلم والجهل وبين السنة والبدعة وبين التقدم والتخلف لأن الظالم والطاغي والمنحرف والمبتدع بغض النظر عن لباسه وظاهر حاله فهو متخلف مبتدع جاهل لاينبغي السكوت عنه.
على أن إطار ذلك كله وحدوده هو الجدال والنقاش الفكري فلا يتعداه إلى القمع والسجن والتنكيل الجسدي كما يعاقبُ أهل الوعي والعقلانية مخالفيهم.

المسار الأوحد للتشيع "المنهجية الشيرازية كنموذج"

من المهم أن تكون هناك اتجاهات وميول في الداخل الشيعي ناتجة عن قناعات وثقافات وعادات متعددة ومتنوعة ومختلفة فتنعكس على اسلوب وطريقة وآلية العمل والتحرك، لكن ماهو أهم من ذلك أن تنطلق تلك الاتجاهات والميول من كونها خاضعة لمعايير وضوابط التشيع، وأن تكون تلك القناعات والثقافات والعادات نابعة من أصله وأن يكون الأسلوب والعمل ضمن عنوانه وإطاره العام، فلا يحق ولا يصح ولا ينبغي لمن يدعي التشيع أن يتجاوز ويتخطى حدوده وإطاره.
وعليه فإن الكثير من الحركات السياسية والأحزاب والتيارات وحتى الأنظمة التي ظهرت وبرزت وحكمت باسم التشيع كانت قد تخطت المعايير والضوابط الشيعية في طرحها ونظرياتها وأسلوبها وعملها، لكنها روجته وسوقته بعلامة شيعية!
فتجاهلت وتناست بل أنكرت الكثير من الثوابت والقيم الشيعية "التي بها وعليها تأسس التشيع وشُيد بنيانه"
بمبررات وحجج مثل: عدم استفزاز الغير وهدم الحواجز وطي المسافة والوصول للآخر وما إلى ذلك، ثم أعطت تلك المبررات والحجج عناوين عقلائية تتحرك في منطقة اللاوعي الجمعي "كالوحدة الإسلامية" و "الإخوة الإسلامية" وما شابه.

فانطلت على الكثير من العوام بل حتى على بعض أهل العلم والفضل الذين أعجبتهم تلك العناوين ولهجت بها ألسنتهم، والعجيب أن تلك العناوين تنمحي وتنسى فقط إن تعارضت مع الغايات والمصالح السياسية.
أما مايجدر بنا السير والتحرك وفقه وترويجه كإطار وعنوان عام حاكم على مختلف الأصعدة والجوانب، هو ما يحتويه التشيع من واقع وطموح وقوة وشجاعة ورؤية عالمية بعيدة المدى للحكم الآمن والعدل الالهي والسلم الشامل الذي يتمتع ويسعد به العالم أجمع، حيث أن الحضارة الإسلامية تنطلق من هذا الباب وبهذا المفهوم البارز الذي يُعَد المَظهر العملي "للإمامة الإلهية" بإقامة العدل ودحض الباطل.

وإن "الإمامة" التي تمثل مفهوم العدالة والحكم الإلهي هي من أبجديات التشيع، وعنوان "التولي والتبري" هما الموقف الشرعي العملي الكامل والتام تجاه "الإمامة" لأنهما باختصار عبارة عن تحديد موقف ممن اختاره الله ليحكم بالعدل عمن اختار نفسه ليحكم بالظلم، فيحدد الفرد الشيعي موقفه بتولي من اختاره الله تعالى ويبرأ إليه ممن اختار نفسه، والموقف بمنزلة "العهد" مع الله عز وجل.
ويستمر الشيعي بتجديد وتعزيز ذلك العهد مع ربه دائما كي لا ينسى ولا يغفل ولا يسهو، وهذا ماعليه كل شيعي على وجه المعمورة وفي شتى بقاع الأرض، ولعل العوام أكثر التزاما بالتولي والتبري من بعض من يُنسبون إلى أهل العلم والفضل لأن العامي قد لا تربطه مصالح دنيوية تفسد عليه دينه.

من هذا المنطلق وهذا المسار يمكننا القول أن بوابة الحكم العادل للمعصومين وعلى رأسهم النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله ووصيه أمير المؤمنين عليه السلام برؤية إسلامية شيعية هي المدخل الأصلح والأجدر والأهم لترويج وتسويق الحضارة الإسلامية الشيعية، لأن العدل هو أساس الملك وإن توفر العدل واتصف به الحاكم وطُبِق في المجتمع فسينتهي الفقر وينمحي الجهل ويتوقف الحرب ويزول الفساد، وبالنتيجة يقضىٰ على كافة المفاسد المرتبطة بها لأن كل من تلك الآفات تتكثر وتزداد منها آفات أخرى، ومثال على ذلك: فإن عدم وجود العدل في توزيع الثروات يوجد الفقر والفقر يبعث على الحسد والحسد يحث على السرقة والسرقة تعني أخذ حق الغير وتعني أيضا أكل الحرام وما إلى ذلك، وكذلك المثال في الحرب: فإنه يوجِد الدمار والدمار باعث على القتل والقتل يسبب اليتم واليتم سبب للحاجة والحاجة علة لترك الأوطان و..هلم جرا.
فالعالم اليوم بما يحمله من هموم الشعوب ومشاكلهم وحرمانهم واضطهادهم واستبداد الحكام وفقدانهم العدالة فهو بحاجة إلى التنظير في هذا المجال بالخصوص.

وهذا ما تنبهت له المرجعية الشيرازية وتبنته ممثلة بالمرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره من خلال ما طرحه في مؤلفاته وكتبه، وتجلى ذلك في موسوعته الفقهية الشاملة التي تقع في أكثر من مائة مجلد، ومن ضمن ماشملت: فقه السياسة والمجتمع والبيئة والمرور والعولمة والطب والاقتصاد والفضاء والمستقبل "برؤية استشرافية" والزراعة والتربية والتعليم وغيرها،
واحتذى من بعده آية الله المرجع السيد صادق الشيرازي دام ظله بهذا المنهج مستقلا فنَظّر في ثقافة الاختلاف والتعايش وفي سمات الحاكم العادل وما ينبغي أن يكون عليه وأثره كحاكم عادل على المجتمع وسبل الوصول إلى الشعوب المحرومة عبر نشر تلك السيرة الساطعة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام منقحة من الشوائب التأريخية المزيفة ومقارنتها بغيرهم من الحكام.
ومحاضراته ومؤلفاته تشهد بذلك، على الخصوص مايعرض في قناة المرجعية من محاضرات حديثة مسجلة.
فشَكَّلَت ورسمت تلك المنهجية معالم الدولة الحضارية الحديثة التي وإن لم ولن تضاهي دولة الإمامة الإلهية لكنها من المؤكد تخطو في نفس المسير والاتجاه وبذات المنهجية والعنوان، وهو "العدالة".

وهذه المنهجية هي التي تعطي للتشيع رواجا وجماهيرية لأنها تنطلق من أصالته وثقافته وإرادته ومواقفه الواقعيه الطموحة العالمية القوية لا من ثقافة الغير وإرادتهم ومواقفهم، ومن خلالها ينطلق التشيع وفق رؤيته ونظريته لا وفق رؤية ونظرية الغير.
ولابد لنا من الإشارة في هذا المقام أنه من الإجحاف وصف غير قناة المرجعية والمكاتب الرسمية بأنها "ناطقة باسم المرجعية" وقد تم التصريح بذلك غير مرة وبشكل ظاهر وعلني.
وحتى إن كانت هناك قنوات فضائية لها تبعية روحية ودينية للمرجعية فهذا لايعني ألبتة أنها تمثلها وتنطق بلسانها أو تعبر عن رأيها.

المواجهة في خطوة واحدة

مواجهة الفكر الإقصائي الممنهج بأدواته وإعلامه النافذ المتعدد وبما له من صبغة دينية لا تكمن في المعاملة بالمثل ولاتحتاج إلى قدرات مماثلة كالتي يمتلكها هو ويسخرها لضرب واغتيال مراجع الدين وأصحاب الرأي والمفكرين فكريا أو جسديا بإطلاق أوصاف وعبارات ومسميات "كالتشيع اللندني" و"العمالة" وغير ذلك من الألفاظ التي تكفي لإسخاط المجتمع وإثارته، وإنما تكمن المواجهه المؤثرة والناتجة في الحيلولة دون نفوذ وتسلل ذلك الإعلام المخادع الزائف إلى عقول ونفوس أفراد المجتمع وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى إرادة جدية وموقف مُبَّرَز من الفئة "القيادية والنخبوية" بالتحديد التي تمثل الشارع الشيعي العام أي الأغلبية والتي تقف موقف الحياد ويعتريها الصمت وحالة السكون وهي ترى المراجع يهانون ويتهمون ويضطهدون من قبل الفكر الإقصائي!

هذه الفئة رغم استقامتها وثباتها وحرصها كما يبدو على التشيع تعاني من حالة "الجمودية" الفكرية كما هو واضح ولاتتفاعل عادة بالشكل المناسب والمطلوب مع ما يجري خارج نطاق حدودها الجغرافي رغم تأثيرها الواضح والملموس خارج ذلك النطاق.
ومن المحتمل ومع استمرار سكوت وصمت تلك الفئة عن تجاوزات الفكر الإقصائي قد تصل النوبة إليها وينالها ما نال غيرها من محاربة وإسقاط وأقصاء، لأن الفكر الإقصائي لا ولن يقبل أي رأي أو مخالف يقف في طريق سياسته ونفاذها.
إذن فالمواجهة الوحيدة المطلوبة والتي نرى أنها ستكون مؤثرة تتحقق بخطوة واحدة فقط من هذه الفئة وهي "إبراز مواقف الاستنكار" إزاء الفكر الإقصائي.

المصالحة الحقيقية في خطوتين

إن العالم بصورته الحالية وإقبال الجيل الصاعد على التماشي مع قيمه الإنسانية التي أقرها الدين والشارع الإسلامي من حرية اعتقاد وتعبير واختيار الحاكم ومؤسسات المجتمع المدني وما إلى ذلك، ومحاكاة الفئة القيادية والنخبوية لهذا العالم، وبما هو مقبل عليه في هذه الاتجاه لايمكن أن يَسمح بوجود أو نفوذ ذلك الفكر الإقصائي في مساحته الاستيعابية العملية أو الافتراضية، وإن وجد بتقمصه لصبغة أخرى غير صبغته الواقعية فإنه سوف ينكشف ويُعرف ولو بعد حين، وحتى إن لم تتحقق المواجهة المطلوبة من الفئة القيادية والنخبوية فإن مصيرية الاضمحلال والزوال لامحيص منها ولا مناص، لأنه وببساطة لا يملك الأدوات التي تؤهله للولوج أو البقاء ضمن دائرة وحدود هذا العالم، وبمعنى أدق: سوف يتوقف مدة وينتهي تأثيره وينقطع نفوذه وسوف يصعب عليه الحصول على أدنى مقبولية مجتمعية فضلا عن تسلطه وتحكمه! والمستقبل ضامن بكشف وبيان ذلك.

لذا فإن كانت ثمة مصالحة ترتجى فلا بد أن تسبقها خطوتان، الأولى: تراجع تام وكامل دون قيد وشرط لذلك الفكر الإقصائي الحاكم وأتباعه عن ممارساتهم الإقصائية سواء كانت تلك الممارسات في طورها الفكري أو العملي.
والإفراج عن العقل السليم بإتاحة الفرصة للمراجع والمفكرين وأصحاب الرأي والكتاب بالتعبير عن آرائهم، وعدم تسخير أجهزة الإعلام في التسقيط والتهمة والكذب والافتراء عليهم وعدم محاربة وتسفيه الشعائريين والبرائيين والمعارضين.
الثانية: التخلي عن الانحرافات والبدع الدخيلة على الدين الإسلامي والتشيع وعدم إنكار القيم والثوابت المجمع عليها، وعدم اعتبار ظلمة التأريخ رموزا يجب احتراهم لا إضمارا ولا تصريحا وإعلانا. وسوى ذلك لا أظن أن ثمة مصالحة تجدي وتنفع.

والله ولي التوفيق

مهدي الولائي
خطيب حسيني وحوزوي

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp