ملخص المحاضرة:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113 صدق الله العلي العظيم
في موسوعة صحيفة الامام الخميني (وهي مجموع خطبه) ج13 ص69، خطابه في مؤتمر تحرير القدس الموافق 27 رمضان سنة 1400 هجريا، يقول الخميني:
(في صدر الإسلام، كان كبار المسلمين - دقق في الكلام جيدا - مساويين لغيرهم، ويعيشون حياة واحدة. فحينما ذهب الخليفة الثاني في سفر إلى أحد البلدان الواقعة تحت سيطرته، وحينما اقتربوا، حان الدور لغلامه أن يركب ويمسك هو بعنان الدابة ماشيا، هكذا يُنقل - حينما دخلوا المدينة - دخلوها على تلك الحالة، الخليفة ممسك بزمام الناقة يحدوها، وغلامه راكب عليها. وإذا ظهر مثل هذه الحكومة التي ظهرت في صدر الإسلام، بفضل قوة الإسلام وقدرته، فهل سيتمنى أحد أن يحكمه واحد من أهله ؟ وهل سيبقى أهل وأجانب أصلا ؟ هل سيقى محليون وأجانب ؟ هل تطرح في الإسلام أصلا قضية هذا محلي وذاك غير محلي ؟ لن يعود هنالك محلي وغير محلي، الكل في ظلا الإسلام، وهم مسلمون، وجميعهم أخوة، بعضهم مثل بعض).
أولا نقول إن الخليفة الثاني شرعا هو الامام أبو محمد الحسن بن علي المجتبى صلوات الله عليهما، أصلا مجرد أن تطلق على غير الامام الحق، غير الخليفة الحق، تطلق على غيره مسمى الخليفة، قاصدا عامدا، فذلك يكون انحرافا بينا ! انت هنا تسمي غير الخليفة الذي لم يستخلفه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله، تسميه خليفة، وكأنك تعترف به شرعا ! هذا هو الطاغية الثاني، عمر بن الخطاب هو الطاغية الثاني وليس الخليفة الثاني !
إذا كنت جبانا لا تريد - مع أنك تملك دولة حين ذاك وأنت تخطب بهؤلاء - إذا كنت جبانا غير قادر على تسميته بالطاغية الثاني، ووصفه بالطغيان، فلا أقل لا تكسبه اعتبار شرعيا وتعترف بخلافته وتقول الخليفة الثاني، قل الحاكم الثاني مثلا، ماشي حاكم، مجرد حاكم جاء، أما أن تقول الخليفة الثاني فهذه فيها إشكال وألف إشكال. هذه نمررها الآن، خاصة أنها مع الأسف شائعة، يعني مع الأسف يقولها حتى المتدين، حتى الصالح حتى المستقيم، غفلة مع الأسف الشديد لأننا تربينا في أجواء، هذه المصطلحات في العصور الأخيرة صارت شائعة في أوساطنا مقرا بها وكأنها لا أثم فيها ولا إشكال لا نلتفت، بخلاف سيرة أسلافنا الشيعة الأوائل ما كانوا يستخدمون هكذا مصطلحات. يعني في عهد المفيد مثلا ماتشوف أنه يعترف بعمر أنه الخليفة الثاني مثلا لا، يسميه تسميات أخرى. على أية حال الآن هذه نمررها نقول فرضا صدرت منه غفلة لكن الذي لا يمرر ماهو ؟ أنه يعتبر هذه الطاغية الثاني شخصية يحتذى بها يقتدى بها يريد أن يقول انظروا إلى عظمة الاسلام كيف ازال الفوارق ! جاء الخليفة إلى بلد واقع تحت حكمه وإذا به يدخل لذلك البلد وهو الذي يقود الدابة وغلامه ماذا هو الراكب على الدابة، انظر إلى تواضعه ! انظروا هنا إلى هذه العظمة ! كيف أنه يتبدل موقع الحاكم والمحكوم فبدلا من أن يكون المحكوم وهو الغلام الخادم هو الذي يخدم الحاكم وهو الذي يقود له دابته وهو الذي يمشي في ركاب الحاكم والحاكم مرتاح هو راكب على الدابة المسألة تنعكس ! خميني هنا في هذا الكلام يقدم لك صورة مشرقة عظيمة لشخصية عمر بن الخطاب ! إذا ما صدقها أحد وكان جاهلا او ساذجا فإنه لا يملك إلا أن يحترم هذه الشخصية ويترضى عنها ويترحم عليها قائلا رحم الله عمر ما اشد تواضعه وهو حاكم أعلى !!
يقول خميني: إذا وجدنا نموذجا لحكومة إسلامية من هذا الطراز ! أي أنه يعتبر عمر بن الخطاب هنا مثلا أسمى لمثل هذه الحكومة التي ينشدها خميني ويريد تأسيسها ! يقول خميني: إذا وجدنا حكومة كهذه، فحين إذا تزول الفوارق، لا يكون هنالك معنى للقول أن هذا محلي وهذا غير محلي، يعني أن الحاكم لا ضرورة أن يكون من هذه الفئة، من هذا الشعب، من هذا المجتمع، من هذا البلد، بل كل المسلمين سواسية مثلهم مثل بعض حتى أن الفارق يزول بين الحاكم والمحكوم، مثل هذا الاسلام نريد، ومثل هذه الحكومة الاسلامية نريد، ومثل هذا الحاكم نريد عمر بن الخطاب !
يقول خميني: في صدر الإسلام كان كبار المسلمين، فعمر بن الخطاب إذا كان من كبار المسلمين لا من كبار المنافقين ! انظروا للبون الشاسع بين عقيدتنا وعقيدته نحن نقول أن عمر بن الخطاب من كبار المنافقين والطغاة لا من كبار المسلمين ! اصلا ما اسلم حقا بل تظاهر بالإسلام.
يقول خميني: وإذا ظهر مثل تلك الحكومة التي ظهرت في صدر الاسلام بفضل قوة الاسلام وقدرته، فعمر بن الخطاب إذا نموذج لماذا ؟ لقوة الإسلام وقدرته ! فهل سيتمنى أحد أن يحكمه واحد من أهله، يقول انا بس اريد من قومي ان يحكموا ؟ لا المهم يحكمه اي احد، مادام عادلا كعدالة عمر بن الخطاب هذه، ومتواضع كتواضع عمر بن الخطاب هذا !
هنا لدينا مجموعة من الإشكالات، قبل أن نعرضها على هذا الكلام لنرى ما فيه من خيانة وأثم، يهمنا ان نعرف من اين اخذ خميني هذه القصة الخرافية هذه ؟ من اين اخذها ؟ هل اخذها ياترى من القرآن الحكيم مثلا ؟ كلا، هل أخذها من السنة المطهرة ؟ كلا، هل اخذها من أئمة أهل البيت عليهم السلام ؟ كلا، هل أخذها من كتب التاريخ المعروفة، وإن كانت كتب أهل الخلاف ؟ كلا، اخذتها من أين ؟! وصدقتها وسوقت لذلك الظالم المنافق على أساس ذلك القصة وكأنها مسلمة تاريخية من أين أخذتها ؟! غالب الظن عندي أنه اخذها من هذه الكتب المعاصرة التي ألفها البكريون العمريون لتمجيد شخصية عمر بن الخطاب، من كتب الاخوان المسلمين وغيرهم، من من صاغوها بنحو أدبي. هذا الذي يغلب على ظني أي أني اقول أني لا اتصور أنه قد عاد إلى أصل هذه القصة، ومن أول من رواها، من اول من اخذها أو اخذت عنه !
أي يكن فإن التحقيق قد قادنا إلى أن أول من صاغ هذه القصة، وذكرها في كتاب له، وأخذ عنه من اخذ من الأدباء والمغرمين بشخصية الطاغية الثاني، إنما كان رجلا من رجال أهل الخلاف، من من لهم ميل إلى التصوف، واسمه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، ذكر هذه القصة في كتاب له بعنوان (تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين) صلى الله عليه وآله، والنص في هذا الكتاب على هذا النحو.
قال السمرقندي: (وروي عن قيس بن أبي حازم أنه قال لما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام، تلقاه علماؤها وكبراءوها، فقيل اركب هذا البرذون - البغل - يرك الناس - حتى يراك الناس ليش انت ماشي ؟ الناس ماخدين عنك فكرة إنك الحاكم العظيم الخليفة اركب وادخل علينا - فقال عمر إنكم ترون الأمر من هاهنا، إنما الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيلي – أي انتم ترون العظمة في المظاهر الدنيوية من هاهنا في حين العظمة تأتينا من من ؟ من الله، خلوا سبيلي، ما يهمني انا أن اكون راكب ماشي منتعل حافي الي يكون، الله عز وجل يجعل لي هيبة في القلوب لأني من عباده الصالحين).
ويتابع السمرقندي: (وروي في رواية أخرى - وهذه التي اعتمد عليها خميني - أن عمر رضي الله تعالى عنه - لعنه الله - جعل بينه وبين غلامه مناوبة، فكان يركب الناقة، ويأخذ الغلام بزمام الناقة، ويسير مقدار فرسخ، ثم ينزل ويركب الغلام، ويأخذ عمر بزمام الناقة ويسير مقدار فرسخ - يعني قال لغلامه أنا وياك نتناوب احنا حتى لا نتعب، احنا بنسافر من المدينة إلى شام، مرة أنا أركب وأنت تمشي مقدار فرسخ، مرة العكس أنت اركبك وأنا امشي واقود الدابة مقدار فرسخ، طيب شنو الي صار ؟ - يقول فلما قرب من الشام كانت نوبة ركوب الغلام، اتفق انه آخر فرسخ لما قربا من الشام، أنه دور من دور الغلام، لازم الغلام يكون راكب وعمر يظل ماشي، فركب الغلام واخذ عمر بزمام الناقة، فاستقبله الماء في الطريق أي كانت الأرض فيها ماء، فجعل عمر يخوض في الماء ونعله تحت ابطه اليسرى، أي أخذ نعله، شوفو التواضع والعظمة، أخذ نعله لأن الأرض مبتلة، جعل نفسه حافي ومشى في هذا الماء، شوفو الموقف، الحاكم الامبراطور هو يمشي، غلامه خادمه على الناقة راكب مرتاح، وهذا الحاكم يقود وهو يبتل، ونعله قد تأبطه تحت أبطه اليسرى وهو آخذ بزمام الناقة ! فخرج أبوعبيدة بن الجراح وكان أميرا على الشام وقال يا امير المؤمنين إن عظماء الشام يخرجون إليك فلا يحسن أن يروك على هذه الحالة، فقال عمر إنما أعزنا الله تعالى بالاسلام فلا نبالي بمقالة الناس. هذا أصل هذه القصة هذا الكتاب لهذا الشخص !
أول ملاحظة هنا أن هذه القصة ليس لها سند ! روي يقولك وخلاص ! ضيعك كلام مرسل كيف يمكن الاعتماد عليه ؟! أشنأ من هذا، أن الكتاب هذا نفسه لا يعترف به أهل الخلاف علماؤهم كبارهم، بل وصفوه بأنه كتاب مليئ بالموضوعات، وهذا من جملة تلك الموضوعات، قصة خرافية صنعت لأجل تمجيد عمر فقط وتلميع صورته. من من نصوا على أن هذا الكتاب مليئ بالموضوعات، امامهم الذهبي في كتابه (تاريخ الاسلام) في حوادث مابين ثلاثمة واحد وخمسين إلى سنة ثلاثمئة وثمانين، وهو يترجم لهذا أبو الليث السمرقندي -هذا الكاتب الوضاع الخيالي – قال الذهبي: وفي كتاب تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة.
ودعني هنا أعطيك واحدة من موضوعات هذا الكتاب من ما لا يختلف عليه اثنان في وضعه، فإذا صدقت الخبر الأول هذه القصة الخرافية المتعلقة بعمر بن الخطاب، لزمك أن تصدق الخبر الثاني، خاصة وأن هذا الخبر الثاني مسند، لكن من ذا الذي يصدقه، واضح من متن الخبر أنه ماذا ؟ خبر موضوع، والخبر في اي شيء ؟ وفي اي باب ؟ في باب فضل يوم عاشوراء ! الحديث رقم 212، قال السمرقندي: عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من صام يوم عاشوراء من المحرم، أعطاه الله تعالى ثواب عشرة آلاف ملك، ومن صام يوم عاشوراء من المحرم، أُعطي ثواب عشرة آلاف حاج ومعتمر، وعشرة آلاف شهيد، ومن مسح يده على رأس يتيم يوم عاشوراء، رفع الله تعالى له بكل شعرة درجة، ومن فطر مؤمنا ليلة عاشوراء، فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله، وأشبع بطونهم - شوفو أيش قد تركيز على تحويل يوم عاشوراء من السنة النبوية في الحزن في بهذا اليوم لمقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ماذا ؟ إلى يوم المسرات والمبرات والأفراح وليالي الملاح ! سنة أموية ! - قالوا يارسول الله لقد فضل الله يوم عاشوراء على سائر الأيام ؟ قال نعم، خلق الله السماوات والأراضين يوم عاشوراء - عجيب والله هو بستة أيام صارت بيوم واحد اشلون ماندري - وخلق الجبال يوم عاشوراء وخلق البحر يوم عاشوراء وخلق اللوح والقلم يوم عاشوراء وخلق آدم يوم عاشوراء وخلق حواء يوم عاشوراء وخلق الجنة وأدخله الجنة يوم عاشوراء وولد إبراهيم يوم عاشوراء ونجاه الله من النار يوم عاشوراء وقد أمر بالذبح يوم عاشوراء وفدا ولده من الذبح يوم عاشوراء وأغرق فرعون يوم عاشوراء وكشف البلاء عن أيوب يوم عاشوراء وتاب الله على آدم يوم عاشوراء وغفر ذنب داود يوم عاشوراء ورد ملك سليمان يوم عاشوراء وولد عيسى في يوم عاشوراء ورفع الله عيسى وداود يوم عاشوراء وولد النبي صلى الله عليه وآله في يوم عاشوراء - كل هؤلاء في يوم عاشوراء ؟! حتى النبي الي عليه إجماع أنه ولد في ربيع الأول يطلع ب يوم عاشوراء ولد ؟! أشلون تصير ؟! ليش نقول كتاب موضوعات سخيف خرافي قصص خرافية ! – ويوم القيامة في يوم عاشوراء!). بالله عليك من هذا العالم بل منو هذا العامي الذي يحترم نفسه ويحترم العلم ممكن أن يعتمد على كتاب سخيف كهذا الكتاب ؟ اكو حد يحترم نفسه ممكن أن يعتقد بمثل هذا الكتاب بهذه الخرافات والأساطير الموجودة فيه ! كيف أنت تدعي المرجعية والسيادة والعلم والفقاهة وإرشاد الأمة وولاية الفقيه ومنصب نفسك إمام الأمة تسوق لنا الخرافات والجدل ؟!
لو خميني واخد هذا الخبر من هذا الكتاب وقايله كل الناس ترتد عنه، وإن كان ممكن بعد ما يرتدون عنه لأن الحب يعمي ويصم، يمكن أي يصدقون أن يوم عاشوراء لازم يكون يوم فرح ! ومثل ما قالوها، السائرون على منهج خميني في العرفان الباطل المنحرف، قالوا يوم عاشوراء بالنسبة للإمام الحسين كان يوم فرح لأنه بلغ فيه مرتبة الشهادة ويحسن بالمؤمنين أن يفرحوا ! هذا الكفر قد قالوه مدون أقرأوه في تصريحاتهم و خطبهم و كتبهم.
إذا كان البناء – من أجل تحقيق مآربك السياسية - على أننا نعتمد على أي خبر من الأخبار وأي أثر من الآثار التي تظهر أن هناك زعماء سيايين طغاة حكام كانو متواضيعن، للزمنا أيضا أن نعتمد مثلا على هذا الخبر الذي يرويه الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء ج3 ص152) بالسند عن يونس بن حلبس قال (رأيت معاوية في سوق دمشق على بغلة ، خلفه وصيف قد أردفه ، عليه قميص مرقوع الجيب) ! من هذا الذي يخاف الله عز وجل يمكن له أن يأخذ مثل هذا الخبر حجة ويعتمد عليه ويأتي يخطب في الناس ويقول أيها الناس مثال على العدالة الإسلامية وإزالة الفوارق الطبقية وإزالة الفارق بين الحاكم والمحكوم والزهد والتواضع والقوة في الحكومة الإسلامية المثالية، من هذا الذي يستحل أن يقدم معاوية نموذجا بناءا على هذه القصة أو هذا الخبر ؟! من يصدق هالخرافات التي وضعت لتلميع صور الطغاة !! حتى يزيد جعلوا له مناقب وفضائل ومآثر، إحنا نروح فورا على العمياني نصدقها ونسوقها ؟!
ثانيا إن أئمة أهل البيت عليهم السلام نهونا أن نأخذ من المخالفين ديننا أو معارفنا أو حقائقنا او ما شاكل ذلك. في وسائل الشيعة للحر العاملي أقرأوا هذه الروايات التي تحرم علينا أن نأخذ من هؤلاء ونصدقهم في ما يقولون، وفي مايروون، سواء في أئمتهم أو في سائر المعارف والقضايا الأخرى. مثلا لدينا رواية شديدة مروية عن المفضل بن عمر قال عن ابي عبد الله عليه السلام: (من دان الله بغير سماع من عالم صادق الزمه الله التيه الى العناء ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك به وذلك الباب المأمون على سر الله المكنون). وعن إبراهيم بن زياد قال: قال الامام جعفر الصادق عليه السلام: (كذب من زعم أنه يعرفنا، وهو مستمسك بعروة غيرنا).
ثالثا حتى لو فرضنا أن القصة صحيحة وأن بالفعل عمر فعل هكذا وأن هذا من تواضعه فما أدرانا أنه فعل هذا خشية من الله عز وجل وإلتزاما بالتواضع الإسلامي ولم يكن منه تصنعا ورياءا كعادة كثير من الطغاة والمنافقين ؟! يتصنعون مثل هذه المواقف حتى يجروا الناس إليهم. روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الامام علي الرضا عليه السلام قال، قال الامام علي بن الحسين زين العابدين السجاد عليه السلام: (إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته، وجبن قلبه، فنصب الدين فخا لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة يترك الدنيا للدنيا). لأنه لا يتمكن من تسيد الناس والترأس عليهم إلا بمثل هذا، هذا هو النظام الي جاري آن ذاك في تلك الأزمنة. الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما الصلاة والسلام يحذرنا من أن ننخدع بالمظاهر ويقول لنا انظروا جيدا هذا الذي ترك الدنيا للدنيا انظروا هل هو من طلاب الرئاسة أم لا. يتابع الامام السجاد عليه السلام: (ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد). هذا كلام الإمام السجاد الذي لم يتعلم منه خميني شيئا.
رابعا نتنزل نقول صحيح ونقول وقع ونقول ماكان رياء وتصنع، ماذا ينفعه تواضعه لهذا الغلام وهو يتكبر على أئمة الدين بل على رسول الله صلى الله عليه وآله بل على الله تعالى إذ لم يطعه و يعبده بالتسليم للنبي وآل بيته الأطهار ؟! شنو فايدة واحد يتواضع لغلامه ويتكبر على الله ؟! عمر بن الخطاب لما قال إن الرجل ليهجر، هذا تكبر على الله أما لا ؟ هذا تكبر على رسول الله صلى الله عليه وآله - صحيح أم لا - وهو تكبر على الله !
الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما، ماذا كان يقول في سجدة الشكر، بعد ما ينتهي من صلاته ؟ أقرأوا في كتاب (مهج الدعوات) للسيد ابن طاووس في الصفحة 307 عن محمد بن إسماعيل بن بزيع وسليمان بن جعفر: (دخلنا على الامام الرضا عليه السلام وهو ساجد في سجدة الشكر، فأطال في سجوده، ثم رفع رأسه، فقلنا له أطلت السجود، فقال من دعا في سجدة الشكر بهذا الدعاء كان كالرامي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم بدر. قلنا فنكتبه ؟ قال اكتباه، إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر فقولا: اللهم العن اللذين بدلا دينك ، وغيرا نعمتك ، وانهما رسولك صلى الله عليه واله وسلم ، وخالفا ملتك ، وصدا عن سبيلك ، وكفرا آلاءك ، وردا عليك كلامك ، واستهزا برسولك ، و قتلا ابن نبيك ، وحرفا كتابك ، وجحدا آياتك ، وسخرا بآياتك ، واستكبرا عن عبادتك ، وقتلا أولياءك ، وجلسا في مجلس لم يكن لهما بحق ، وحملا الناس على أكتاف آل محمد عليهم الصلوات والسلام ).
ماذا يقول الامام ؟ بماذا يصفهما ؟ واستكبرا عن عبادتك. أنت يا خميني مو صدعت روسنا بمقاومة الاستكبار ليل نهار ؟! طيب أول المستكبرين عمر بن الخطاب. كيف جعلته من رموز المتواضعين المسلمين كيف ؟! كيف قلبت الطاغية إلى مثال للتقى والتواضع والعدل والحكم الرشيد ؟! كيف تحول الطاغية المستكبر إلى رمز في سماء المجد والعظمة كيف ؟! أية جناية هذه ارتكبت ؟!
خامسا أيضا نتنزل، ونقول هب أن هذا الموقف الذي صنعه عمر مع غلامه على فرض وقوعه كان حسنة، فهل هذه في مقياس الشرع تعد حسنة ؟ أم أن هذه الحسنة تضمحل في بحر سيئاتهم حتى لا تغدوا حسنة ؟! الله تعالى يقول في كتابه المجيد بصريح العبارة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }آل عمران22 {أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }آل عمران23. هذه الحسنة تندك وتضمحل في بحر سيئاته فتحبط أعماله، أعماله تذهب هباءا منثورا، لأنه قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، قتل السيدة فاطمة الزهراء البتول صلوات الله عليها، فأي حسنة تبقى مع هذا ؟! هذه في مقياس المختلين فقط يعدونها حسنة. أي حسنة لعمر أو أبي بكر أو معاوية أو يزيد أو عائشة أو حفصة !
ومن سيئات عمر تكبره على الناس ! أنت يا خميني لماذا لم تلتفت إلى الروايات الأخرى ؟! لماذا مثلا لم تذكر هذه الرواية التي يرويها ابن حجر الهيثمي في كتابه الصواعق المحرقة: (ضرب عمر سعد بن أبي وقاص بالدرة على رأسه حيث لم يقم له ! وقال إنك لم تهب الخلافة ! فأردت أن تعرف أن الخلافة لا تهابك !). هذا تواضع كان من عمر أم تكبر ؟! فأي نفع ياخميني أن تقول أنه تواضع للغلام وهذه حسنة منه مثلا وتلكم سيئاته وفيها من التكبر مافيها حتى على مثل سعد الذي هو من حزبه من رجاله ومن ما يعد عند القوم من العشرة المبشرة !
هذا ميزان غلط، تقييم الأفراد والشخصيات بهذا الأسلوب المعوج بهذا الميزان المختل لا يبقي شيئا من الدين لا يبقي شيئا من الضمير لا يبقي شيئا من المعايير الصحيحة للتقييم، مالكم كيف تحكمون ؟! معمر القذافي مثلا كان حافظا للقرآن الكريم، حتى أنه صلى إماما لأضخم صلاة جماعة في التاريخ المعاصر، نصف مليون إنسان إفريقي صلى وراءه في إحدى البلدان الإفريقية، ونقلت الصلاة على الهواء مباشرة، قرأ في هذه الصلاة جزءا كاملا من القرآن الحكيم عن ظهر غيب عن ظهر قلب ! تقبلون مني أنا الآن آتي وارفع لكم معمر القذافي واقول أيها الناس، خليني أتكلم بأسلوب خميني الآن:
(في واقع الإسلام، كان كبار المسلمين مساويين لغيرهم، وجميعهم يحفظون القرآن الكريم. فحينما ذهب الإمام معمر القذافي في سفر إلى أحد البلدان الأفريقية، اصطف المسلمون وراءه وصلوا صلاة ضخمة خاشعة وحين قرأ القرآن الحكيم في تلك الصلاة قرأ جزءا كاملا عن ظهر قلب وهذا إذا ظهر مثل هذه الحكومة في الإسلام بفضل قوة الإسلام وقدرته، فهل سيتمنى أحد أن يحكمه واحد من أهله ؟ ام سيتمنى أن يحكمه واحد مثل معمر القذافي حافظ للقرآن الكريم). شنو احنا نروح نصير مخابيل ! نمجد بمعمر القذافي ونهمل سيئاته وجرائمه وطغيانه لمجرد أنه كان حافظ للقرآن الكريم وصلى بالناس وسوى فيلم الرسالة الذي بسببه أسلم آلاف من الناس بتمويله للفيلم ! هذا المنطق كمنطق خميني بخصوص عمر بن الخطاب، كمنطق الذي يأتي ويقول خادم الحرمين الشريفين انظروا إلى مآثره انظروا إلى حسناته انظروا كيف عمّر الحرمين الشريفين بالمليارات كيف وسع كيف أنه يطبع القرآن الكريم والمصاحف ويوزعها على الحجاج في كل بيت الآن في العالم طبعة خادم الحرمين الشريفين للقرآن الكريم ! يقبل هذا المنطق خميني وذيله الخامنئي يقبله ؟! يقبلان هذا المنطق الآن ؟! والماشين في ركابهما ركاب الظالمين المنحرفين الفسقة يقبلون هذا الكلام اليوم ؟! أننا نمجد بالطغاة لأنهم تظاهروا بخدمة الإسلام أو بحفظ القرآن أو بالتواضع ونحو ذلك ! إذا كان هذا المنطق مرفوض بالنسبة لآل سعود ومعمر القذافي وطغاة العرب والعجم فلماذا هو مقبول إذا جاءت النوبة لعمر بن الخطاب وهو طاغية الطغاة ؟! ليش تريد تلمع صورة الطاغية عمر بن الخطاب ليش ؟! ليش قاعد مسوي مؤتمر تحرير القدس وترفع بآيات المجد والسمو اسم عمر بن الخطاب ليش ؟! ولا تقية عليك، أنت حاكم بأيدك دولة، إيران بأيدك ! أنا اعلم أن المفتونين بخميني كما فتنت بني إسرائيل بالعجل يجون يطلعون ألف تبرير، لكن والله ماكو تبرير عند رسول الله والزهراء والأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام ! لا تكذبوا على أنفسكم كما يفعل البكري العمري الذي يصطنع مبرر لجرائم أبي بكر وعمر ! هذا إثم هذه جريمة هذا سقوط للعدالة.
سادسا لماذا لم تقدم على الحاكم الراشد مثالا من الإمام علي بن أبي طالب ! وأنت تدعي أنك من شيعة علي بن أبي طالب ؟! والكتب ممتلئة من مناقب علي وفضائه وقصصه في التواضع والزهد والحكم الرشيد ! جايب لي عمر تفخر به ! صير آدمي واقرأ لهم هذه القصة مثلا: في كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ج1 صفحة 105 عن أبي مطر ( أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى سوق الكرابيس فإذا هو برجل وسيم فقال يا هذا عندك ثوبان بخمسة دراهم فوثب الرجل فقال نعم يا أمير المؤمنين فلما عرفه مضى عنه تركه فوقف على غلام فقال له يا غلام عندك ثوبان بخمسة دراهم قال نعم عندي ثوبان أحدهما أخير من الآخر واحد بثلاثة و الآخر بدرهمين قال هلمهما فقال يا قنبر خذ الذي بثلاثة قال أنت أولى به يا أمير المؤمنين تصعد المنبر و تخطب الناس فقال يا قنبر أنت شاب و لك شرة الشباب و أنا أستحيي من ربي أن أتفضل عليك لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول ألبسوهم مما تلبسون و أطعموهم مما تأكلون ثم لبس القميص و مد يده في ردنه فإذا هو يفضل عن أصابعه فقال يا غلام اقطع هذا الفضل فقطعه فقال الغلام هلمه أكفه يا شيخ فقال دعه كما هو فإن الأمر أسرع من ذلك – وفي كتاب مكام الأخلاق للطبرسي يتابع - ثم أتى المسجد الاكبر فكوم كومة من حصباء ، فاستلقى عليها ، فجاء أبوالغلام فقال : إن ابني لم يعرفك ، وهذا درهمان ربحهما عليك ، فخذهما ، فقال علي عليه السلام : ما كنت لافعل : ما كسته وما كسني ، واتفقنا على رضى). هذه المدرسة العلوية قدمها للناس لا الخرافات التي يلمع بها شخص عمر بن الخطاب.
(نستقبل ملخصا منقحا لما نُشر أعلاه).